صحافة واعلام

صحافة واعلام

زيارة جديدة للتاريخ

نشرت جريدة اليوم السابع

الإثنين، 31 ديسمبر 2018 
الدكتور حلمى الحديدى
حوار: هناء أبو العز ـ تصوير: أشرف فوزى

زيارة جديدة للتاريخ.. الدكتور حلمى الحديدى رئيس لجنة تضامن الشعوب الأفريقية لـ"اليوم السابع": رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى تساهم فى حل مشكلات القارة.. ومكافحة الإرهاب فى المقدمة.. وأفريقيا سوق واعد للمنتجات مصرية

تاريخ طويل شاهد على العلاقات المصرية ـ الأفريقية، حتى قبل أن تسمى دول القارة بأسمائها الحالية، وكانت مجرد حركات تحرير من الاستعمار، وهو ما سطره الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والذى أوصى بتنشيط الجهود الدبلوماسية من أجل دعم حركات التحرر من الاستعمار وحل العديد من النزاعات بين مكونات الشعوب الأفريقية، وقاد مسيرة التنمية الاقتصادية فى القارة السمراء فمهد للرئيس عبد الفتاح السيسى من خلال حقائق تاريخية وجغرافية وسياسية، إعادة البناء والتفكير مرة أخرى فى أفريقيا.

ومن ميراث الزعيم، تظل منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية، هى ثمرة التعاون الأفريقى المصرى، وهو التعاون الذى عاد إلى صدارة مشهد الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى لإيمان الرئيس بأهمية عمق التعاون المفتوح بين القاهرة وعواصم القارة السمراء فى شتى الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية وغير ذلك.

وعن المنظمة وأهمية أفريقيا وارتباطها بأمن مصر القومى، كان "اليوم السابع" على موعد مع الدكتور حلمى الحديدى، وزير الصحة الأسبق ورئيس منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية والذى استعرض فى حوار شامل مشكلات القارة السمراء، وفى مقدمتها الإرهاب وتراجع معدلات التنمية، وكشف بخبرة تمتد لعقود من العمل العام والمتابعة للملفات الأفريقية، كيف يمكن أن تقدم مصر ـ دون غيرها ـ مفاتيح الحل، وكيف يمكن أن تساهم الدبلوماسية المصرية ـ عما سواها ـ فى مد جسور من التفاهم أقوى من أى أزمات عارضة.

وفى بداية حواره، قال الحديدى لـ"اليوم السابع" أن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أراد أن تتوحد الدول الأفريقية وأن تكون وحدة صلبة عبر عدة وسائل مشيرًا إلى أن المنظمة شاركت فى كل حركات تحرر أفريقيا وآسيا، واستضافت الزعماء المطرودين والمناضلين والذين أصبحوا فيما بعد حكام لأفريقيا مثل جومو كنياتا أول رئيس لدولة كينيا وأحمد سيكوتورى رئيس غينيا وبلغت لجان المنظمة فى عهد عبد الناصر 92 لجنة فى دول العالم الافريقى والآسيوى.

وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، أوضح الحديدى، أن محمد أنور السادات فضل التركيز على مباحثات السلام مع أمريكا وانشغل عن أفريقيا وتجاهلها دون عمد، إلا أن هذا التجاهل استمر حتى عهد مبارك، وخاصة بعد محاولة اغتياله عام 1995 فى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، بعد وصوله للمشاركة فى قمة أفريقيا، لتسكن تلك العلاقات حالة من الجمود الذى يقترب من القطيعة فى عام حكم الإخوان وتولى محمد مرسى السلطة فى أعقاب ثورة 25 يناير، قبل أن تعود الدولة المصرية إلى مكانتها الطبيعية فى القارة بفضل جهود الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وتستطيع الدولة المصرية مع اقترابها من تولى رئاسة الاتحاد الأفريقى المساهمة بفعالية فى مواجهة التحديات التى تواجهها القارة السمراء، بحسب الحديدى الذى أكد أن فى مقدمتها يأتى ملف الإرهاب والحروب الأهلية، قائلاً أن هناك محاولات منظمة وممنهجة تستهدف تقويض كيان الدول الوطنية فى قارتنا وتفكيك بعض دولها وتقسيمها إلى دويلات صغيرة يسهل فرض الوصاية والهيمنة عليها، وحدث فى ظل أزمة مالية واقتصادية عالمية لم يبرأ منها عالمنا حتى الآن وألحق الضرر بشعوب أفريقيا، فارتفعت معدلات الفقر وزادت البطالة فيها وتزايدت حدة أزمة البيئة والجفاف والتصحر وصارت أيضًا الحرب هى الوسيلة الوحيدة لحل الصراعات وعلاج المشكلات والأزمات بين الدول.

وأوضح الحديدى أن الدور الحالى لمصر بالتزامن مع رئاستها للاتحاد الأفريقى هو أن يكون الهدف الأول لتضامننا اليوم مع أفريقيا، هو المواجهة الجماعية والمشتركة الشاملة للعنف والإرهاب والتعاون ليس فقط فى تصفية التنظيمات الإرهابية والتصدى الحازم لداعميها الذين يوفرون لها المال والسلاح والملاذ الآمن والغطاء السياسى، والعمل على توسعة هذا التعاون فى اقتلاع الارهاب من جذوره بعد علاج أسبابه المختلفة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ومواجهة ذلك التطرف الدينى الذى يخلق وحوشًا آدمية تقتل وتدمر.
وأشار إلى وجود عدة أسباب تجعل إفريقيا قبلة مصر تجاه التنمية، أهمها أنها تمثل سوق تجارى كبير لأى منتجات مصرية، نظرًا لعدد سكانها الكبير وإقبالها على المنتجات المصرية، وخاصة قطاعات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى موارده الطبيعية والمواد الخام بها، التى تجعلها مازالت دولة بكر، يمكن الاستفادة منها، واستغلال هذه الموارد فى عمل مشروعات جديدة غير موجودة بالقارة السمراء، بالإضافة إلى وجود نهر النيل أواسط أفريقيا.

وأشار إلى ضرورة الترويج لمبدأ حل النزاعات والصراعات بالطرق السلمية لتجنيب البلاد، ويلات ومصائب الحروب وزيادة الجهود الدبلوماسية الشعبية، وأن يتسع نطاق التعاون ليشمل التعاون الاقتصادى من خلال التجارة البيئية أو الاستثمارات المشتركة، وتوجيه رؤوس الأموال الأفريقية والآسيوية للاستثمار داخل بلاد القارة، مع الاستفادة من الخبرات المتراكمة فى تحقيق التنمية الاقتصادية لهذه الدول.

كما طالب بضرورة إعطاء الاهتمام لدعم وتعميق العلاقات الثقافية بين شعوب القارة السمراء، نظرًا لأن الثقافة بكل فروعها الفنية والأدبية والفكرية تقرب بيننا، وتقوى الروابط بين الشعوب وتمنح القدرة على مواجهة الهيمنة الثقافية الأجنبية، فى ظل سعى بعض الدول الغربية لفرض نمط حياتها وقيمها علينا.

وعن التخوفات بوجود الفقر والإرهاب وانتشار الأمراض بالقارة السمراء قال الحديدى: " لسنا أفضل من الأمريكان والصين والبرازيل والذين اقتحموا السوق الافريقى، دون مخاوف لاستغلال مواردها والاستثمار فيها، كما توقفت السعودية عن استصلاح أراضيها الزراعية، وقامت باستئجار الأراضى فى السودان، وزراعتها.
وأكمل الحديدى: "لابد من الإيمان بأن أفريقيا مهمة بالنسبة لنا، فيكفى أن بطرس غالى فاز بمنصب أمين عام الأمم المتحدة، بفضل أصوات دول افريقيا، موضحًا أن التوجه الآن يجب أن يكون المصلحة.

وأشار رئيس لجنة تضامن الشعوب الأفريقية إلى ضرورة نقل التقنيات الموجودة فى مصر حاليًا، مثل تقنيات حفظ المواد الغذائية لحاجتهم لها والتقنيات الزراعية، وصناعة الغزل والنسيج وعندهم خيرات كثيرة طبيعية تساعد على ذلك مثل انشاء مصنع لعصائر مثلًا.

وأوضح الحديدى، قيام المنظمة بعرض آرائها وأفكارها، على أجهزة الدولة المختلفة، ليتم وضعها فى الاعتبار، بعد تولى مصر رئاسة الإتحاد الإفريقى بداية العام المقبل، موضحًا قيام اللجنة بتقديم مقترح حول انشاء جامعة وادى النيل، وأن يكون مقرها حلايب وشلاتين، وإنشاء خطة سكة حديد من اسكندرية، لرأس الرجاء الصالح، والعمل جديًا على إنشاء السوق الأفريقية المشتركة ومحاولة تخفيف القيود الجمركية على الواردات والصادرات ولتسهيل عملية انتقال البضاعة والخبرات من بلد إلى بلد، ومساعدة الدول الفقيرة بمنح دراسية أكتر من الموجودة حاليًا، وإرسال وفود خبرات للبلاد المحتاجة والتكفل مؤقتًا بمرتباتهم لحين نجاح مشروعاتهم.

وقال الحديدى، إنه بعد تحرر الدول الإفريقية أصبح الطريق لإفريقيا هو الثقافة والفن والرياضة، لذلك لابد من توجيه الجهود لدعم ذلك مشيرًا إلى إقامة اللجنة مهرجان للسينما الآسيوية والأفريقية، فى شرم الشيخ العام الماضى برئاسة سهير المرشدى، إلا أن الرعاة تخلوا عنه بالكامل لذا لابد من دعم حكومى لتنظيمه سنويًا.

وتحدث الحديدى، عن زيارته الأخيرة لدولة الكونغو، وإنشاء فرع بها، وإنشاء مركز للدراسات الاقتصادية الافريقية والصينية، يعمل على تقديم أبحاث وأفكار تساهم فى عملية التنمية، موضحًا ضرورة إنشاء قرية هناك تحمل اسم مصر لمساعدة هذه الدولة بعد تعرضها للإعصار الأخير وتدمير عدد من المنازل.
وأكد على ضرورة التفكير فى إقامة علاقات دائمة، وإنشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية، كواحد من العلوم إلى جانب علوم أخرى لنشر اللغة العربية.

واختتم الحديدى حواره مع "اليوم السابع" بالتأكيد على أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى تأتى فى وقت لا تزال أهداف المنظمة قائمة وفى مقدمتها العمل على تحقيق البلاد الأفريقية التنمية المستقلة والمستدامة التى تحقق مستوى معيشة مناسبة للشعوب، وبناء مجتمعات ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة والحكم للشعوب من خلال صناديق الانتخابات ويسودها العدل الاجتماعى الذى تحلم به هذه الشعوب، وهو ما يسعى إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى، باعتبار افريقيا السند الاستراتيجى لمصر، وأحد أهم أضلاع الأمن القومى المصرى.