نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 19/5/2015
في إجتماع اللجان العربية بمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية - الآسيوية
ضرورة التصدي للأخطار التي تحيط بالعرب
طارق الشيخ
تمر المنطقة العربية الآن بمرحلة من أصعب وأخطر المراحل فى تاريخها إذ تتعرض معظم دولها إلى العديد من التحديات والتطورات المتتابعة والمتلاحقة التى تمثل تهديدا لأمن واستقرار شعوبها وتطلعاتهم فى التنمية والرخاء مثل الإرهاب وتزايد نفوذ الجماعات التكفيرية المتطرفة والأزمات التى أطاحت باستقرار وتماسك كل من ليبيا وسوريا والعراق واليمن بالإضافة إلى القضية الفلسطينية التى كانت ولاتزال القضية المحورية لمصر والعرب جميعا.
وفى محاولة لرسم خريطة للمصاعب والتهديدات والأخطار التى تمر بها المنطقة العربية، ووضع مبادئ محددة للنضال العربى للخروج من الأزمات الحالية، وإلقاء الضوء على السياسة المصرية وإستراتيجيتها المستقبلية الرامية إلى توحيد الصف العربى والخروج من المأزق الذى تواجهه أمتنا العربية، تم تنظيم إجتماع لجان التضامن العربية السادس والعشرين الذى إستضافته منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية بالقاهرة.
تهديدات ومخاطر
وفى البداية عبر أ.نورى عبد الرزاق سكرتير عام المنظمة عن خطورة ودقة المواقف التى تمر بها الأمة العربية حاليا مؤكدا أن الأمة العربية فى مفترق طرق فالإرهاب الوحشى أصبح عالميا وأصبحت كيانات العديد من الدول العربية معرضة للتفكيك فى ظل صراعات دموية طائفية وإثنية مدعومة خارجيا.
وطالب بأن تقوم لجان التضامن ومنظمات المجتمع المدنى الأخرى بدورها فى التعبئة والحشد لمقاومة الأخطار التى تتهدد منطقتنا. وأكد أن ثورة 30 يونيو فى مصر تعتبر الخطوة الأولى والمهمة لمكافحة الإرهاب وتوطيد دعائم الدولة الوطنية المصرية وفى امتدادها للحفاظ على مصالح الأمة .
وتحدث أ.د. حلمى الحديدى رئيس المنظمة ورئيس اللجنة المصرية للتضامن مستعرضا ملامح الأزمة التى تمر بها منطقتنا العربية.
وأرجع الحديدى الظواهر الخطيرة التى تجتاح الأمة العربية إلى سببين أساسيين هما:
1ـ سبب تاريخى يتمثل فى حالة التخلف التى جثمت على أوطاننا على مدى قرون بسبب الإستعمار والإستبداد السياسى
2ـ المؤامرات والتدخلات الخارجية: من جانب الإستعمار والصهيونية العالمية وحلفائهما فى داخل منطقتنا وداخل أوطاننا والتى يكمن خطرها فى إستغلال عوامل الضعف داخل صفوفنا.
وخلص الحديدى إلى أن سبيلنا لمواجهة هذه الأخطار هو وحدتنا ، وسد الثغرات ونقاط الضعف فى حياتنا الوطنية والسياسية وفى وحدتنا القومية.
مبادئ للنضال ويرى الحديدى أن "ترشيد النضال" وتحديد أهدافه بدقة ووضوح هو السبيل إلى إنتصارنا فى ظل عدة مبادئ محددة يتم الإلتزام بها، وهى : رفض الإرهاب والإلتزام بمناهضته، والإستمرار فى توحيد الجهود العربية المشتركة الرامية للقضاء على الإرهاب، والعمل الحثيث على وضع حد للحروب الأهلية الدائرة فى الكثير من بلداننا العربية وتغليب عوامل الوحدة الوطنية والتعايش السلمى والديمقراطية ورفض التدخل الخارجى، والتمسك الحازم بإعتبار أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب. والحرص على دعم وتأييد الشرعية الديمقراطية فى كل الدول العربية.
الدور المصرى
أما السفير عبد الرحمن صلاح مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، الذى حضر اللقاء نيابة عن وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، فقد إستعرض المصاعب والتهديدات والأخطار التى تواجه عالمنا العربى والموقف المصرى منها والجهود التى تبذلها مصر لمواجهتها.
وأكد السفير ان ذلك المشهد الخطير الذى يرسم ملامح التهديد الذى تواجهه منطقتنا العربية فرض على مصر التعامل مع تلك المخاطر فى إطارمن التنسيق والتعاون المشترك مع شركائنا على المستويين الإقليمى والدولى.
ففيما يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب تخوض مصر حربا شرسة للتصدى للجماعات الإرهابية خاصة فى منطقة شمال سيناء. هذا وتحرص مصر، فى إطار المواجهة الشاملة لظاهرة الإرهاب وكافة التنظيمات الإرهابية فى المنطقة العربية وخارجها، على نشر الفكر الوسطى المعتدل من خلال مؤسساتها الدينية وعلى رأسها الأزهر.
وفيما يتعلق بالشان الليبى أكد السفير على أن "إستقرار ليبيا هو جزء لايتجزأ من إستقرار مصر" ولذا فإن مصر تدعم الحكومة الشرعية فى ليبيا الممثلة فى مجلس النواب المنتخب وحكومته المختارة وتدعو إلى ضرورة سرعة تحرك المجتمع الدولى إلى محاربة الإرهاب فى هذا البلد الشقيق وتقديم الدعم للجيش فى جهوده لمكافحة الإرهاب وقطع كل الإمدادات العسكرية وغيرها التى تصل إلى تلك المنظمات الإرهابية.
وأضاف بأن مصر تدعم الحوار السياسى الأممى الحالى بين الفرقاء الليبيين وتؤكد أهمية آلية دول جوار ليبيا لتسوية الأزمة فى هذا البلد الشقيق.
وفيما يتعلق باليمن فقد أعلنت مصر فى أكثر من مناسبة عن موقفها الراسخ المنادى بضرورة الحفاظ على وحدة واستقرار اليمن وسلامة أراضيه ودعت الأطراف اليمنية إلى الإلتزام بالحوار كسبيل وحيد للخروج بالأزمة من المأزق السياسى والتخلى عن محاولات فرض الرأى بقوة السلاح.
وقد أعلنت مصر دعمها السياسى والعسكرى للخطوة التى إتخذها إئتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية فى اليمن إستجابة لطلب رئيسها الشرعى إنطلاقا من مسئوليتها التاريخية تجاه الأمن القومى العربى وأمن باب المندب وأمن منطقة الخليج العربى.
كما أكدت مصر ضرورة تنفيذ كافة بنود قرار مجلس الأمن رقم 2216 التى تتضمن الحفاظ على وحدة اليمن وشرعية الرئيس اليمنى ودعوة كل الأطراف للإمتناع عن إتخاذ أية تدابير من شأنها تقويض وحدة اليمن.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية أكد السفير أن موقف مصر القائل بضرورة التوصل إلى حل سياسى يوقف العمليات العسكرية والتدخلات الخارجية ويحقن دماء الشعب السورى الشقيق ويحقق المطالب المشروعة لهذا الشعب فى دولة ديمقراطية. ونبه إلى "تشديد" مصر على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السورية وحمايتها من الإنقسام. مشيرا إلى أن القاهرة إستضافت فى شهر يناير الماضى اجتماعا ضم عدد من القوى والشخصيات المعارضة الوطنية السورية وذلك فى إطار إهتمام مصر بتوحيد المعارضة السورية.
ونبه إلى أنه يجرى الإعداد حاليا لمؤتمر موسع جديد يضم ممثلى الأطياف السورية المختلفة من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة بينهم لمستقبل البلاد والمضى قدما نحو التوصل إلى تسوية سياسية سلمية شاملة. كما ستشارك مصر فى المشاورات الثنائية التى يعقدها فى جنيف ستيفان دى ميستورا ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة بشأن الأزمة السورية مع كبار المسئولين فى الدول المعنية بهذه الأزمة بغية الوصول لحل سياسى لها. وبالإضافة لما سبق فإن مصر تعد من الدول الخمس الرئيسية المستقبلة للاجئين السوريين حيث تستضيف أكثر من ثلثمائة ألف لاجئ سورى منهم 140 ألف فقط مسجلين لدى مكاتب الأمم المتحدة.
أما فيما يتعلق بالأوضاع فى العراق نبه السفير عبد الرحمن صلاح إلى تأكيد مصر مساندتها لجهود الحكومة العراقية فى التصدى للتنظيمات الإرهابية ومحاولات زعزعة أمن وإستقرار البلاد. ودعمها جهود تحقيق التوافق بين جميع الأطراف العراقية بناء على مفهوم الدولة الوطنية بعيدا عن أى تجاذبات مذهبية أو إثنية. وحذر السفير عبد الرحمن صلاح من ان التحديات الخطيرة التى تواجهها منطقتنا العربية فى الفترة الراهنة لاينبغى أن تنسينا "القضية الفلسطينية"، قضيتنا الأساسية، والتى لاشك أن تسويتها بشكل عادل ودائم سيسهم فى حل كافة الصراعات الأخرى الدائرة. وفيما يتعلق بالنشاط الأفريقى أشار السفير عبد الرحمن صلاح إلى أن مصر تولى إهتماما كبيرا بعلاقاتها مع الدول الأفريقية والآسيوية لمواجهة تلك التحديات، فالمخاطر التى تواجهها المنطقة العربية لاتوجد دولة بمأمن من آثارها.
وهو ما يتطلب إستعادة روح مؤتمر باندونج والتمسك بمبادئ دستور "منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية".
أسباب للتفاؤل
وأكد الحديدى أن العرب واثقون من تحقيق النصر النهائى الكامل بإذن الله، موضحا ان الشعور بالأمل والتفاؤل والثقة يتولد من أسباب قوية منها أن مصر تسير بخطى حثيثة نحوالتعافى والشفاء من الإرهاب بفضل الضربات المتلاحقة التى توجهها إليهم القوات الباسلة من القوات المسلحة والشرطة. كما تمارس مصر نهضة شاملة فى كافة المجالات، وهو ما بدا بوضوح فى دور مصر الرائد خلال القمة العربية الأخيرة وفى المؤتمر الإقتصادى، بالإضافة للنشاط الواسع الفعال لسياسة مصر الخارجية فى أنحاء العالم.
كما يتولد التفاؤل من خطوات تحقيق قرارات القمة العربية الأخيرة ومن الحراك الإيجابى الكبير فى مواقف روسيا عالميا وشرق أوسطيا فلاشك أن هذا الحراك الإيجابى الروسى ستكون له أثاره الإيجابية على منطقتنا العربية وعلى مصالحنا الوطنية والقومية. وكذلك الحراك الإيجابى المماثل للصين واليابان بالإضافة للبروز المتصاعد للهند وتصاعد تأثير الدور الأندونيسى فى الوضع العالمى الراهن وتنظيمها لمؤتمر دولى كبير إحياء لذكرى باندونج ومبادئه العشرة.
وهكذا بين القلق والتحفز والتفاؤل شرعت الوفود المشاركة من عشر دول عربية فى بحث سبل العمل والتضامن العربى من أجل مستقبل أفضل لشعوب العالم العربى.