نشرت جريدة الأهرام 13 ديسمبر 2020
منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية
د. على الدين هلال
في 18 إبريل عام 1955، أنعقد في باندونج وهي مدينة صغيرة غي إندونيسيا مؤتمر لزعماء 29 دولة آسيوية وإفريقية للبحث في زيادرة التعاون بينها، ودعم حركات التحرر في المستعمرات في وقت كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على أشدها. ودشن هذا المؤتمر المبادئ التي تبلورت فيما بعد في سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز التي تضمنت عدم الانضمام للأحلاف العسكرية مع الدول الكبرى، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وفض المنازعات بالطرق السلمية، ودعم نضال الشعوب المستعمرة للحصول على استقلالها.
حضر المؤتمر عدد من زعماء العالم في القرن العشرين مثل شواينلاي رئيس وزراء الصين الشعبية، وجواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، وأحمد سوكرنو رئيس إندونيسيا، وجمال عبد الناصر قائد الثورة المصرية . وشارك في المؤتمر جوزيف بروز تيتو رئيس يوغسلافيا والذي حضره لإيمانه بالمبادئ التي تبناها المؤتمر.
كان من بين القرارات التي أصدرها المؤتمر لتوثيق العلاقات بين الدول المشاركة فيه قرار بإنشاء منظمة لدعم تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية لتكون سنداً ودعماً على المستوى الشعبي للجهود الرسمية الحكومية. فكان في ذلك تطبيق مبكر لمفهوم الدبلوماسية الشعبية الذي ظهر فيما بعد. تحركت مصر لتنفيذ هذا القرار، واستضافت في نهاية ديسمبر 1957، المؤتمر التأسيسي الأول للمنظمة الذي انعقد بجامعة القاهرة، وحضره وفود من 48 دولة. أعلنوا في نهايته إنشاء منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية واختيار مصر مقرا دائما لها . وبالتالي انعقاد مؤتمرات المنظمة في غينيا ، وتنزانيا ، وغانا، والاتحاد السوفيتي، والهند، والمغرب بالاضافة إلى مصر طبعا وتنتشر اللجان الوطنية للمنظمة في 90 دولة موزعة على قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، وتترأسها شخصيات سياسية ففي روسيا مثلا يرأس اللجنة إلياس أوماخنوف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي (وهو أحد غرفتي البرلمان الروسي). وفي السنوات الأخيرة ، نجحت المنظمة في إعادة تشكيل وإحياء نشاط لجانها في عدد من الدول العربية والإفريقية كالمغرب ولبنان وتشاد وبوركينا فاسو والكونغو.
وعلى مدى السنين، دعمت المنظمة حركات النضال الوطني ضد الاستعمار خصوصا في القارة الإفريقية التي لم يكن أغلب دولها قد حصل على استقلاله آنذاك. وقامت بدور مؤثر وفعال في إثارة قضية التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا وحشد الرأي العام الدولي ضد ممارساتها ، وبدور مماثل في الدفاع عن حق شعب ناميبيا في تقرير المصير والاستقلال عن جنوب أفريقيا وهو ما تحقق في عام 1991. ولعل هذا الدور ما يُفسر حرص الرئيس المؤسس لناميبيا سام نيوما على زيارة مقر المنظمة في أثناء زيارته الأخيرة لمصر في نوفمبر الماضي وذلك اعترافا منه بهذا الدور. وكانت قضية شعب فلسيطين شاغلا مستمرا للمنظمة في دفاعه عن حقه في تقرير مصيره. وأذكر أن الرئيس ياسر عرفات قام بأكثر من زيارة لمقر المنظمة.
ومع تغير ظروف العالم وانتهاء الحرب الباردة وظهور قضايا جديدة ، طورت المنظمة دستورها وأهدافها في مؤتمرها بمدينة حيدر آباد الهندية في ديسمبر 2008. وأصبحت تركزعلى هدفين مركزيين هما حماية الدولة الوطنية في الداخل، وحفظ الأمن والسلم في الخارج. وتفرع عن ذلك داخليا احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية، والتنسيق للإسراع بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحماية البيئة. وخارجيا، ودعم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، وتحقيق العدالة والديمقراطية في العلاقات الدولية ، وحل المنازعات بالطرق السلمية، ووقف سباق التسلح.
وتوالى على رئاسة المنظمة شخصيات عامة مصرية كان لها دورها الوطني والثقافي . وهم على الترتيب الأديب ووزير الثقافة يوسف السباعي الذي أ‘طى دفعة قوية للمنظمة في برايتها وكرس استقلالها بحكم صلته بالرئيس عبدالناصر وأنه أحد الضباط الأحرار ، والكاتب والشاعر والمؤلف المسرحي عبد الرحمن الشرقاوي صاحب رواية الأرض ومسرحية الحسين ثائرا، ود. مراد غالب سفير مصر في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا ووزير الخارجية والإعلام الأسبق . والكاتب أحمد حمروش، والذي أرخ لثورة 1952 في خمسة مجلدات وكان من الضباط الأحرار ، وحاليا د. حلمي الحديدي ، الذي شغل مناصب سياسية وتنفيذية كان من بينها عضوية البرلمان بغرفتيه مجلس الشعب ومجلس الشورى، ووزير الصحة . ثم لا يفوتني ذكر المناضل العراقي نوري عبد الرزاق ، الذي شغل موقع سكرتير عام المنظمة منذ نشأتها وحتى الآن، وصاحب الخبرات السياسية الواسعة . وأذكر أنني التقيت به لأول مرة في عام 1965 للتعرف منه على أحوال تشيكوسلوفاكيا والتي كنت على وشك زيارتها في وفد شبابي.
شاركت في عدد من الأنشطة الفكرية والثقافية للمنظمة . وأعتقد أن لها دورا يتجدد مع التغيرات التي يشهدها العالم .فصحيح أن الاستعمار بشكله التقليدي قد انتهى تقريبا في عالمنا اليوم إلا أن علاقات التبعية والاستغلال مازالت مستمرة، ومازالت بعض الدول الكبرى تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى وتسعى لفرض سياسات وتوجهات بعينها عليها تحت اسم المشروطية الاقتصادية والمشروطية السياسية. ومادام استمرت هذه المؤسسات ، تظل الدعوة إلى التحرر والاستقلال في كل مضامينه مطلوبة وواردة .
ووجود المنظمة في القاهرة يضيف إلى قوة مصر الناعمة ويُدعم صوتها في المحافل الشعبية الإفريقية والآسيوية وعلى مستوى العالم . كما أن تفعيل أنشطتها يُدعم رسالة مصر الحضارية الداعية إلى رفض كل صور التعصب والتمييز بين البشر، وتوطيد أواصر التضامن بين الشعوب على أساس الأخوة والمساواة والسلام.ومن ثم ، فإن كل دعم للمنظمة يصب في هذا الاتجاه .